سر الفقر المحمدي
صفحة 1 من اصل 1
سر الفقر المحمدي
بسم الله الرحمن الرحيم
"وحكم هذا الفقير المضطر إِلى خالقه فى كل طرفة عين وكل نَفَس أَنه إِن حرك بطاعة أَو نعمة شكرها وقال: هذا من فضل الله ومنَّه وجوده فله الحمد. وإِن حرك بمباديء معصيته صرخ ولجأَ واستغاث وقال: "أَعوذ بك منك، يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك يا مصرف القلوب صرف قلبى على طاعتك"، فإن تم تحريكه بالمعصية التجأَ التجاءَ أَسير قد أسره عدوه وهو يعلم أَنه لا خلاص له من أَسره إِلا بأَن يفكُّه سيده من الأَسر، ففكاكه فى يد سيده ليس فى يده منه شيء البتة، ولا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، فهو فى أَسر العدو ناظر إِلى سيده وهو قادر على تخليصه، قد اشتدت ضرورته إِليه، وصار اعتماده كله عليه. قال سهل: إِنما يكون الالتجاءُ، على معرفة الابتلاء، يعنى وعلى قدر الابتلاءِ تكون المعرفة بالمبتلى ومن عرف قوله صلى الله عليه وسلم: "وأَعُوذ بك منك"، وقام بهذه المعرفة شهوداً وذوقاً، وأَعطاها حقها من العبودية، فهو الفقير حقاً، ومدار الفقر الصحيح على هذه الكلمة، فمن زرق فهم سر هذا فهم سر الفقر المحمدي، فهو سبحانه الذى ينجى من قضائه بقضائه، وهو الذى يعيذ بنفسه من نفسه، وهو الذى يدفع ما منه بمامنه، فالخلق كله له، والأَمر كله له والحكم كله له، وما شاءَ كان وما لم يشأْ لم يكن، وما شاءَ لم يستطع أَن يصرفه إِلا مشيئته، وما لم يشأْ لم يمكن أَن يجلبه إِلا مشيئته، فلا يأتى بالحسنات إِلا هو، ولا يذهب بالسيئات إِلا هو، ولا يهدى لأَحسن الأَعمال والأَخلاق إِلا هو، ولا يصرف سيئها إِلا هو: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدّ لِفَضْلِهِ} [يونس: 107]، والتحقق بمعرفة هذا يوجب صحة الاضطرار وكمال الفقر والفاقة، ويحول بين العبد وبين رؤية أَعماله وأَحواله والاستغناءِ بها والخروج عن رفقة العبودية إِلى دعوى ما ليس له. وكيف يدعى مع الله حالاً أَو ملكة أَو مقاماً من قلبه وإِرادته وحركاته الظاهرة والباطنة بيد ربه ومليكة لا يملك هو منها شيئاً، وإِنما هى بيد مقلب القلوب ومصرفها كيف يشاءُ فالإِيمان بهذا والتحقق به نظام التوحيد، ومتى من القلب انحل نظام التوحيد، فسبحان من لا يوصل إِليه إِلا به, ولا يطاع إِلا بمشيئته، ولا ينال ما عنده من الكرامة إِلا بطاعته ولا سبيل إِلى طاعته إِلا بتوفيقه ومعونته فعاد الأَمر كله إِليه كما ابتدأَ الأَمر كله منه، فهو الأَول والآخر وأن إِلى ربك المنتهى".
من كتاب طريق الهجرتين لابن القيم رحمه الله
"وحكم هذا الفقير المضطر إِلى خالقه فى كل طرفة عين وكل نَفَس أَنه إِن حرك بطاعة أَو نعمة شكرها وقال: هذا من فضل الله ومنَّه وجوده فله الحمد. وإِن حرك بمباديء معصيته صرخ ولجأَ واستغاث وقال: "أَعوذ بك منك، يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك يا مصرف القلوب صرف قلبى على طاعتك"، فإن تم تحريكه بالمعصية التجأَ التجاءَ أَسير قد أسره عدوه وهو يعلم أَنه لا خلاص له من أَسره إِلا بأَن يفكُّه سيده من الأَسر، ففكاكه فى يد سيده ليس فى يده منه شيء البتة، ولا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، فهو فى أَسر العدو ناظر إِلى سيده وهو قادر على تخليصه، قد اشتدت ضرورته إِليه، وصار اعتماده كله عليه. قال سهل: إِنما يكون الالتجاءُ، على معرفة الابتلاء، يعنى وعلى قدر الابتلاءِ تكون المعرفة بالمبتلى ومن عرف قوله صلى الله عليه وسلم: "وأَعُوذ بك منك"، وقام بهذه المعرفة شهوداً وذوقاً، وأَعطاها حقها من العبودية، فهو الفقير حقاً، ومدار الفقر الصحيح على هذه الكلمة، فمن زرق فهم سر هذا فهم سر الفقر المحمدي، فهو سبحانه الذى ينجى من قضائه بقضائه، وهو الذى يعيذ بنفسه من نفسه، وهو الذى يدفع ما منه بمامنه، فالخلق كله له، والأَمر كله له والحكم كله له، وما شاءَ كان وما لم يشأْ لم يكن، وما شاءَ لم يستطع أَن يصرفه إِلا مشيئته، وما لم يشأْ لم يمكن أَن يجلبه إِلا مشيئته، فلا يأتى بالحسنات إِلا هو، ولا يذهب بالسيئات إِلا هو، ولا يهدى لأَحسن الأَعمال والأَخلاق إِلا هو، ولا يصرف سيئها إِلا هو: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدّ لِفَضْلِهِ} [يونس: 107]، والتحقق بمعرفة هذا يوجب صحة الاضطرار وكمال الفقر والفاقة، ويحول بين العبد وبين رؤية أَعماله وأَحواله والاستغناءِ بها والخروج عن رفقة العبودية إِلى دعوى ما ليس له. وكيف يدعى مع الله حالاً أَو ملكة أَو مقاماً من قلبه وإِرادته وحركاته الظاهرة والباطنة بيد ربه ومليكة لا يملك هو منها شيئاً، وإِنما هى بيد مقلب القلوب ومصرفها كيف يشاءُ فالإِيمان بهذا والتحقق به نظام التوحيد، ومتى من القلب انحل نظام التوحيد، فسبحان من لا يوصل إِليه إِلا به, ولا يطاع إِلا بمشيئته، ولا ينال ما عنده من الكرامة إِلا بطاعته ولا سبيل إِلى طاعته إِلا بتوفيقه ومعونته فعاد الأَمر كله إِليه كما ابتدأَ الأَمر كله منه، فهو الأَول والآخر وأن إِلى ربك المنتهى".
من كتاب طريق الهجرتين لابن القيم رحمه الله
فرح الاحمدي- مـــديــــرة المنتـــــدى
- عدد المساهمات : 66
عضو نشط فعال : 0
تاريخ التسجيل : 06/08/2009
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى